الأحد، مارس 15، 2009

هل حان وقت المحاسبة؟

أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار من طرف واحد في غزة. حرب أخرى بدأت وانتهت. كل عام وأنتم على حرب. هل انتهى زمن العويل وحان وقت المحاسبة والاتهام. عندما تدخل بلد ما في حرب ينتظر الجميع نهايتها للوقوف على الأحداث التي مضت للتبصر بها واستيعاب دروسها. وأهم ما قد يفعلون هو البحث عن معنى للقتل والدمار الذي لحق الناس والبلد. هل كانت الحرب ضرورية؟ هل كان من الممكن تفاديها؟ من المسؤول عن دماء القتلى وتهديم المباني وآلام الأحياء ممن فقدوا أهلاً أو ممتلكاً؟

أبداً لن ألوم الضحايا. أبداً لن ألوم أهل غزة. سأبدأ بمن أطلق الرصاص والقنابل الفسفورية وقنابل الـ "دايم" المحرقة. من الواضح أن إسرائيل كانت تحاول أن تؤدب شعباً كاملاً. المعركة ضد حماس كانت ولا تزال دائرة فقد قتلت إسرائيل العديد من مسؤولي حماس سواء من كان له يد في إطلاق صواريخ القسام أو في تنفيذ عمليات انتحارية داخل إسرائيل. هذا عقاب كاف لمن تعتقد إسرائيل أنهم قتلوا مواطنيها ودمروا ممتلكاتهم. أما أن تلقي بكامل ترسانتها المميتة في حرب غير متكافئة فهذا تأديب جماعي لشعب تعتقد إسرائيل أنه السبب، بكل أفراده، في معاناة بعض أفراد شعبها. كلنا نعرف أن إسرائيل تكره غزة وتتمنى زوالها من على وجه الأرض وأنها قد تفعل ذلك لو أتيحت لها الفرصة (كما أتيحت الآن). وكلنا نعرف أن مخطط شارون الشيطاني في الانسحاب من غزة ما كان إلا ليبرر العودة إليها ضارباً بكل جديد ترسانته التي تهديه إياها الإدارات الأمريكية المتعاقبة. إذن كلنا نعرف من هو القاتل عن سبق الإصرار والترصد.

لكن من الذي كان يعرف كامل المعرفة أن استفزاز إسرائيل سيوؤدي حتماً إلى ضربة قاسية كالتي تلقتها غزة؟ من الذي كان يعرف أن لا عمق له للمناورة بعيداً عن المدن والقرى وساكنيها؟ من الذي لا طاقة له على دفع أذى الآلة العسكرية الإسرائيلية العمياء عن أهله وشعبه؟ من الذي كان يستعد لمعركة دفاعية داخل حدود المناطق السكانية الشديدة الإكتظاظ؟ من اسفز إسرائيل واستدرجها إلى مثل هذه المعركة؟ من الذي كان يعرف أن صور الأشلاء والأجساد المحروقة ستزيد في رصيده السياسي وان ما عليه إلا أن يصمد عشرين يوماً لا أكثر مع المحافظة على جل طاقته العسكرية؟ الجواب بالتأكيد هو حماس. إذن حماس هي القاتل الذي لم يستعمل السكين.

على حماس إذن أن تتحمل مسؤوليتها تجاه شعبها عن الضحايا الذين تلوا والممتلكات التي دمرت. لا أحد يلوم الإعصار حين يضرب ويدمر لكن الجميع يلوم من لم يعد العدة لصد أذى الإعصار عن مواطنيه الذين انتخبوه أملاً منهم في أن يحميهم ويقودهم إلى حياة أفضل لا إلى الموت حرقاً. السؤال إذن هل كان باستطاعة حماس تفادي هذه الحرب؟ بالتأكيد. أكثر من ألف قتيل وخمسة آلاف جريح هم ضحايا هوس حماس بالمقاومة المسلحة. هذه المقاومة التي نبذها أهلها والتفتوا إلى غيرها بعد أربعين عاماً من مقاومة التيار. بالتأكيد المقاومة كانت ولا تزال حقاً مشروعاً لكنها هدف لا تطاله الأيدي. كان ياسر عرفات ديكتاتوراً لكنه لم يكن غبياً. إلى متى نموت من أجل المبدأ و يحيا آخرون بالتأقلم. أليس الموت من أجل المبدأ اصطفاءً طبيعياً لمن يرفض التأقلم. أليس الهدف أن نحيا ويحيا أبناؤنا أن نسلم ويسلم أبناؤنا أن نسعد ويسعد أبناؤنا؟ إلى متى نتبع تجار الموت الذين يحيون ويدفعون أبناءنا إلى الموت حتى يبنوا على دمائهم انتصاراً سياسياً قصير الأمد. إذا كانت دماء الضحايا سيقنع الناس أن حماس أحق بالحكم من فتح فلتبعث حماس بأعضائها إلى الموت من دون أهل غزة العزل. هذه القناعة هي النصر الوحيد الذي قد تحققه حماس وهي تعرف ذلك. بريطانيا ضحت بمدينة كاملة في الحرب العالمية الثانية حتى لا يكتشف النازيون أنها كسرت شفرتهم ثم انتصرت نصراً كاملاً ساحقاً. هل تستطيع حماس أن تقدم دليلاً مبرئاً كهذا فإن لم تستطع فإلى المحكمة التي لا ترحم.

الغبي الذي مات مع زوجاته الأربعة وأبنائه الأحد عشر وبعض أهله هل يحسب نفسه شهيداً؟ هل يمكن لإنسان أن يجلب الشهادة لنفسه وأهله معه؟ أليست الشهادة عهداً بين الإنسان وربه؟ فكيف زج أهله وربه في عهد لم يقر به أي منهما؟ أليس هذا ادعاء بعلم الغيب؟ هم يعرفون الله وقضاءه هم يعرفون الحقيقة كلها هم يعرفون ما لا نعرف ويرغموننا عليه. إلى متى يجرنا إلى الموت مستجدوا الشهادة هؤلاء.

ويتبجحون بأن المعركة مستمرة! كيف تستمر معركة دفاعية بعد أن يتوقف المهاجم من تلقاء نفسه؟ لم تعد هناك معركة إذهبوا إلى بيوتكم. كانت حركة سريعة قبل تنصيب الامبراطور الأمريكي الجديد. الكل كان يعرف ذلك بمن فيهم حماس. كلنا كنا نعرف أن المعركة لا يمكن أن تستمر إلى الثلاثاء القادم أو أن تتخطاه. توقفوا عن المتاجرة بدماء شعبكم أيها الديكتاتورييون. هل حسبتم أنكم أحسن من عباس ودكتاتوريته ومخابراته وعفنه؟ كلكم في العفونة سواء. أهذا قدر المجتمع العربي أن لا ينتج إلا ديكتانوريات مخابراتية لا تعبأ إن عاش أم مات. أنحن حقاً كمن يولى علينا؟ أهذا هو الجواب الأخير بعد هذه السنين العجاف. سئمت تكاليف الحياة ومن يعش "بعد هذا الحول" لا أب لك يسأم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق