الأحد، مارس 15، 2009

تاريخ الإسلام أم تاريخ الشرق الأوسط أم ماذا؟

أدرّس تارخ الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي في الولايات المتحدة، وأجد صعوبة هائلة في إعطاء الإسم المناسب لهذا التاريخ. فإذا أسميناه التاريخ العربي (أو تاريخ العرب) وقعنا في الخطأ الفادح، فقد استثنينا الشعوب غير العربية التي ساهمت في صنعه بقدر ما ساهمت شعوب شرق وشمال البحر المتوسط والمسماة اليوم بالشعوب العربية. فالبخاري وابن سينا وسيبويه والثعالبي والخوارزمي وابن قرة وأبو نواس والخيام لم يكونوا عرباً. وإذا أسميناه التاريخ الإسلامي حسِب السامع أننا نتكلم عن تاريخ دين الإسلام، أو أن الإسلام كما نعرفه الآن كان يحكم كل دقائق حياة الناس من نهري السند وسيحون إلى المحيط الأطلسي. وهذا ليس بصحيح، فالناس كانوا في ذلك الوقت كما نحن الآن بعضهم مؤمن وبعضهم غير مؤمن وأكثرهم بين الإثنين. هذا عن المسلمين، والذين لم يكونوا أغلبية إلا بعد مرور أربعة أوخمسة قرون على بدء الإسلام، أما الآخرون فكانوا مسيحيين أو مجوساً أو صابئة أو يهوداً. وكذلك فإن أتباع الديانات كلها شاركوا في بناء تلك الحضارة وذلك التاريخ. اسحق بن حنين كان مسيحياً وثابت بن قرة كان صابئاً وأغلب الأطباء والمنطقيين والرياضيين كانوا مسيحيين أو يهوداً. وإذا أسميناه تاريخ الشرق الأوسط فقد استخدمنا مسمى استعمارياً، حيث الغرب هو أوروبا والشرق ما سواها ونحن في وسط ذلك الشرق الغائم المعالم والحدود.

فكرت أن أسميه "تاريخ العربية" أو "تاريخ الإستعراب" لأن العامل الوحيد بين كل الفرق والأديان والقوميات هو اللغة العربية أو الإستخدام المطرد للغة العربية. كلهم قبلوا اللغة العربية وإن لم يقبلوا الإسلام. العرب كانوا سكان الصحراء السورية والجزيرة العربية، أما من نسميهم العرب الآن فهم مستعربون ويتكلمون لهجات عربية هي خليط من العربية القديمة واللغات االمحلية التي كانت محكية قبل القرن السابع الميلادي مثل الآرامية (بلهجاتها ولغاتها المتعددة) والقبطية والبربرية (بلهجاتها ولغاتها المتعددة). إذن سكان المنطقة المحصورة بين السند والأطلسي من ظهور الإسلام وحتى ظهور العثمانيين والصفويين كلهم مستعربون بدرجات مختلفة. فهم كانوا يتعلمون العربية ويكتبون بها وإن لم ينطقوا بها في حياتهم اليومية. حتى الذين كتبوا بلغات أخرى في أوقات لاحقة كانوا يتعلمون العربية ويكتبون بها من وقت لآخر. وكل لغات هذه المنطقة الآنفة الذكر تأثرت بالعربية إلى حد بعيد كما تأثرت بها العربية أيضاً. وأذكر هنا الفارسية بلهجاتها المختلفة (الفارسية الإيرانية، الأفغانية، الأوردية، البنجابية، الطاجيكية) والتركية بلهجاتها المختلفة (التركية الغربية، التركمانية، الأزربيجانية، القرغيزية، الأوزبكية) والكردية والأمازيغية وحتى الأرمنية.

وأما أن نقول بأن العرب حكموا هذه الأرضين، فهذا خطأ لأن السلالات العربية اقتصرت على الراشدين والأمويين وبعض العباسيين. أما العباسيون المتأخرون ابتداءً بالمأمون فكانوا عرباً من ناحية الأب فقط فهم إذن مستعربون. أما الإمبراطورية فلم تدم على الوحدة إلا مئة وخمسين عاماً فقد بدأ التفكك في عهد هارون الرشيد (والد المأمون). وكان الخليفة العباسي بعد أقل من ثلاثة قرون من ظهور الإسلام لا يحكم فعلياً إلا بغداد وما حولها. وبناء على ماسبق لا تكون الإمبراطورية عربية الحكم واللغة إلا شطراً قصيراً من القرون الخمسة عشرة التي سيطرت فيها اللغة العربية القديمة على معظم الإنتاج الفكري لأهالي المنطقة ما بين السند والأطلسي.

وإذا أردنا أن نستبدل اصطلاح "الشرق الأوسط" بآخر أفضل دلالة فأقترح تسمية "شبه الجزيرة" او "الجزيرة الكبرى"، لأن المنطقة المعنية تمتد تقريباً مابين السند وسيحون شرقاً والمحيط الهندي وبحر العرب والصحراء الكبرى جنوباً وقزوين والقوقاز والبحر الأسود شمالاً و المتوسط والأطلسي غرباً. كما يمكن تقسيم هذه المنطقة إلى المناطق التالية التي لكل منها تاريخ ولغة مشتركة: السند والهند، سيحون و ماوراءه، قزوين والقوقاز وجبال إيران، فارس وعراق العجم، تركيا، العراق وبلاد الشام، جزيرة العرب، مصر و سيناء والسودان، جنوب الصحراء الكبرى والمغرب (شمال إفريقيا.(

هناك تعليقان (2):

  1. سعدت بمشاهدة البلوج يا نظير، وحمل لي بعض المفاجآت بشأنك..
    زرني في بلوجي:

    ردحذف
  2. الأستاذ الأتاسي: يشرفني زيارتك لموقعي وإهتمامك . ويسعدني أن أتعرف على شريك في الوطن والغربة، والأهم على شريك في الرؤى والأفكار، أتابع بإهتمام تعليقاتك المهمة وكتاباتك في الأوان وشفاف، وأشكرك أيضا على حثي لمزيد من الترجمة في موضوع الإسلام المبكر. رغم عسره وصعوبته، وعدم التخصص والتفرغ .. وبناءا على تعليقك سأكون ممتنا لك لو تعطيني إثبات دامغ على دولة المدينة التي أنشأها النبي محمد (مخطوط أو مسكوك، أو نقش) أقصد دليل خارج الأدب الديني ما عدا رسائل هرقل والمقوقس ..إلخ أو النسخ القراآنية المنسوبة لعثمان فهذه جميعها عبارة عن مزورات متأخرة .. مع تحياتي
    نادر قريط

    ردحذف